العبيدي، ابراهيم
1415هـ علم ضحايا الجريمة و المنظور الإسلامي. مركز أبحاث مكافحة الجريمة.
مستخلص
بعد أن تفاقمت معدلات ضحايا الجريمة بأنواعها و أشكالها ، و تضاعفت الأضرار الجسمية و النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي عادة ما تتركها الجريمة بدأ الاهتمام ينصب على هؤلاء الضحايا و المتضررين من الجريمة، لقد تعددت الأهداف من وراء هذا الاهتمام حيث تراوحت من ناحية بين الاهتمام النظري الذي يسعى لمعرفة هذه الظاهرة الاجتماعية ، و محاولة الوصول إلى معرفة علمية عن الأسباب و العوامل التي تجعل فئات من الناس أكثر عرضة للوقوع ضحايا للجريمة من الفئات الأخرى ، لقد سعى أصحاب هذه الاتجاه إلى محاولة البحث و التقصي في خصائص هذه الفئات الاجتماعية و النفسية و العقلية و الجسمية والديموغرافية آملين أن تؤدي مثل هذه المعرفة إلى طرح ما يمكن طرحه من توصيات تساعد صانعي القرار في المجالات الأمنية إلى اتخاذ الإجراءات الوقائية حيث تصبح جزءاً من المعرفة العلمية و المهنية لرجل الأمن ، حيث لا تصبح مهمته ملاحقة المجرمين و العابثين بالأمن فحسب بل محاولة الوقاية من الجريمة قبل وقوعها من خلال معرفة ضحايا الجرائم المحتملين . و من ناحية أخرى أدى الوعي بالأضرار الجسيمة التي عادة ما تلحق بضحايا الجريمة إلى ظهور تنظيمات جديدة تضم جماعات من الناشطين الذين جعلوا من مساعدة ضحايا الجريمة هدفاً لتنظيماتهم .
لقد حاولنا في هذه الدراسة أن نبرز الجوانب المختلفة لعلم ضحايا الجريمة من ناحية تطوره و اهتماماته و مجالاته ، ممهدين بذلك إلى المنظور الإسلامي لضحايا الجريمة ، حيث تساعدنا هذه المعرفة في الوقوف على النشاط العلمي للمهتمين بهذه الظاهرة ، و مدى ما توصلت إليه دراساتهم عن العوامل و المسببات المرتبطة بوقوع الفرد ضحية للجريمة . و سنحاول بعد ذلك الوقوف عند المنظور الإسلامي لهذه _الظاهرة من خلال تناول الإجراءات الوقائية التي وضعها الإسلام لا كمفاهيم مجردة عن الواقع بل من خلال التصاقها الوثيق بالتشريع الإسلامي و خاصة ما يدخل في نطاق الحرام و المنهي و الواجب . لقد حاولنا أن نستنطق هذه المفاهيم للوصول إلى الإجراءات العملية التي وضعها الإسلام لوقاية الفرد نفسه و عرضه و ماله ومجتمعه من الوقوع ضحية للجريمة .
و قد سعى الإسلام إلى التخفيف من آثار الجريمة في نفوس ضحاياها من خلال مبدأين أساسيين الأول : مبدأ القصاص و الثاني : التعويضات . لقد جعل الإسلام في هذين المبدأين ما يخفف من آثار الجريمة في نفوس ضحاياها ، فأعطى الإسلام للضحية الخيار فالقصاص أو التعويض أو العفو في جرائم العمد، أو التعويض أو العفو في جرائم الخطأ .
كما أن الإسلام قد لامس مشاعر الضحية وذويه فالعقاب والثواب ليس في الدنيا فحسب بل إن العقاب و الثواب الحقيقي في الحياة الآخرة ، و في ذلك ما يخفف من هول المصيبة و يهون ما تتركه الجريمة من آلام و أضرار في نفوس ضحاياها .